Menu

مهرجان القاهرة السينمائي ما زال عصيًا على التطبيع 

هاني حبيب

منذ أن تأسس مهرجان القاهرة السينمائي عام 1976، أرست قياداته المتعاقبة مجموعة من المبادئ والأعراف التي سار عليها هذا المهرجان، وتميزت فترة رئاسة الكاتب الكبير كمال الملاح ثم المسرحي الكبير سعد الدين وهبة، بازدهار المهرجان من الناحية الفنية ووصوله إلى العالمية من ناحية، والتضامن مع قضايا وهموم الشعوب العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية من ناحية أخرى.

ظلّ هذا المهرجان قلعةً فنية في مواجهة محاولات اختراق بعض السينمائيين المصريين لقواعد وأعراف المهرجان من خلال التسامح مع محاولات التطبيع، وظل هذا المهرجان عصياً على هذا الاختراق، حتى الانعقاد الأربعين له المقرّر الشهر القادم، حين قرر رئيس المهرجان الحالي محمد حفظي تكريم المخرج والكاتب الفرنسي كلود ليلوش، أحد روّاد الموجة الجديدة في السينما الفرنسية، وعلى الفور ندّدت أعداد مّتزايدة من السينمائيين والمثقفين المصريين بهذا التكريم، بالنظر إلى مواقف ليلوش الداعمة لإسرائيل، على إثره دافع محمد حفظي عن هذا التكريم، مُدّعياً أن ليلوش زار إسرائيل فحسب، وأن هذا ليس بالجريمة التي تمنع تكريم مبدع وصاحب مدرسة في السينما الفرنسية.

مناهضو التطبيع، فتحوا ملف ليلوش وعلاقته بإسرائيل وذلك بالعودة إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية ذاتها، لبلوش زار إسرائيل أكثر من عشرة مرات، وصرّح لصحيفة (جيروزاليم بوست) عام 2016 "أنا سعيد جداً لوجودي في تل أبيب، سعيد للغاية لوجودي في إسرائيل أشعر دائماً بالقرب من هذا البلد، عندما أكون هنا أشعر أنّني في بيتي، إنّها دولة أحبها كثيراً، وأقدّر دائماً حقيقة أنك تعيش في إسرائيل بصعوبة وانعدام الأمان".

لم تكن المشكلة بالنسبة لمعارضي التطبيع في زيارات ليلوش المتكررة لإسرائيل، فحسب بل بمستوى التماهي مع الدعاية الإسرائيلية. الجُملة الأخيرة في المقتطف السابق، مجاراةً لهذه الدعاية من حيث أن إسرائيل تدّعي أنها تعيش بسبب الإرهاب الفلسطيني في أجواء من عدم الأمان، ممّا يُبرّر لها اللجوء إلى القوة لمواجهة الإرهاب الفلسطيني. لبلوش لم يزُر إسرائيل فحسب، بل هو مُنتمٍ وداعمٌ لرؤيتها وسلوكها العدواني ضدّ الشعب الفلسطيني. هذا ما أوردته بيانات الفنانين والسينمائيين والمثقفين المصريين حول تكريم لبلوش في مهرجان القاهرة للسينما.

على مضضٍ، اضطرّ حفظي للإعلان عن إلغاء التكريم، مما يعتبر نجاحاً هاماً لقوى العروبة الرافضة للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، ولولا صحوة هؤلاء وعمق إيمانهم بدورهم الوطني، لنجح لبلوش في هذا الاختراق، الذي كان من شأنه أن يسمّ مهرجان القاهرة للسينما، بالتغاضي أو ربما المساهمة في التطبيع الذي ترفضه كل الشعوب العربية وفي طلعيتها الشعب المصري الحبيب.